فلورا مجدلاوي
يعاني معظم أطفال العالم الذين يرتادون المدارس اليوم من ضعف واضح في إتقان مهارات القراءة والكتابة وفق إحصائيات موثقة ودراسات وتقارير عالمية يعدها المركز الوطني لإحصائيات التعليم في الولايات المتحدة. ويتفق التربويون والمسؤولون عن التربية والتعليم في معظم أنحاء العالم أن هناك أزمة عالمية في هذا المجال وأن قسما كبيرا من أطفال العالم يقرؤون ويكتبون دون المستوى المتوقع لأعمارهم أو معايير صفوفهم المدرسية ، وقد وصلت النسبة إلى 64% في الولايات المتحدة لعام 2013 لطلاب الصف الرابع. وهو الصف الذي يجب على الطلاب أن يكونوا قد تمكنوا فيه من إتقان مهارات القراءة ليقرأوا بشكل مستقل.
وبرأيي فإن سبب هذه الأزمة يعود إلى عاملين رئيسين؛ الأول، هو النظر إلى عملية تعلّم مهارات القراءة والكتابة كهدف بحد ذاته وليس كوسيلة. ويقصد هنا أن يُنظر إلى تعلّم مهارات القراءة والكتابة كمهارات لفك التشفير والترميز بالدرجة الأولى، وفهم النص واستيعابه بهدف اجتياز الامتحانات المدرسية، بدل أن يُنظر إليه لما هو أبعد من حدود الصف المدرسي والأسوار الأكاديمية، وتجاوز ذلك لصناعة قراء مدى الحياة يسعون للمعرفة والعلم سعيا مستداما، متشوقون للاطلاع على التجارب الإنسانية الأخرى، ومشاركة الآخرين تجاربهم، فتكون القراءة والكتابة هما الوسيلة لتعلم كافة العلوم على وجه مهني محترف راق معاصر مستدام، وليس هدفا لاجتياز الامتحانات المدرسية فحسب.
أما العامل الثاني، فهو ذلك المتعلق بالتغيّر الكبير المتسارع في بيئة الأطفال خارج أسوار المدرسة في العقود الثلاثة الأخيرة، والذي لم يوازه تغيّر يتسارع بذات الوتيرة في الأدوات المستخدمة في تعلمّ مهارات القراءة والكتابة داخل الصفوف المدرسية، وأهمها المصادر القرائية. فبقيت أدوات التعليم والمصادر القرائية، وإن تغيرت المناهج في كثير من البلدان، إلى حد كبير تتسم بالتقليدية، ولم تتأقلم وتتطور بشكل كاف لتواجه تحديات العصر.
فما زالت، حتى اليوم، معظم المؤسسات التعليمية في العالم تستخدم أنظمة قرائية Basal Readers أي كتب مدرسية تضم مقتطفات من نصوص أدبية، ومقالات علمية، وغيرها، يرافقها دفاتر تمارين كتابية. وهنا، لا يمكن لأي عاقل أن يغفل حقيقة أن نشاطات الأطفال خارج أسوار المدرسة وخاصة فيما يتعلق بالحيز الذي كان مخصصا للاستماع إلى القصص وقراءتها قد بدأ بالتضاؤل تدريجيا منذ ثلاثة عقود حتى كاد يتلاشى اليوم. وهنا أيضا يكمن التحدي الأكبر لجميع العاملين في مجال التعليم من تربويين ومعلمين ودور نشر ومؤلفين ومكتبيين، ألا هو: تطوير أدوات تعلّم مهارات القراءة والكتابة لتواكب تطور وتغيرات العصر بالسرعة المطلوبة.
و عليه، ارتفعت خلال العقدين الماضيين أصوات الخبراء في هذا المجال، تنادي باستخدام أدب الأطفال والناشئة بشكل إثرائي مكثف في برامج القراءة المدرسية. هذا النداء لم يكن شعارا عاطفيا قط، وإنما نداء مبنيا على دراسات علمية وأكاديمية تتسم بالمصداقية، وتعتمد على تجارب ميدانية موثقة. وحسب هذه التجارب، فإن استخدام أعمال أدبية تستهدف فئة الأطفال والناشئة، ذات مضامين تثير اهتمامهم، تراعي تمايز قدراتهم، وتستحث استجابتهم العاطفية، وتتسم بإخراج فني معاصر، من شأنها أن تساهم إسهاما واضحا في رفع مستوى مهارات القراءة والكتابة لدى هذه الفئة بنسبة ملحوظة قابلة للقياس خلال فترة زمنية معينة.
وبناء عليه، فقد استجابت العديد من كبريات دور النشر العالمية لهذا النداء، وتعاونت مع الأخصائيين لابتكار مصادر أدبية معاصرة لاستخدامها مع الطلاب؛ منها ما يُعرف بكتب الجرافيك أو الكوميكس (والتي أصبحت مواضيعها تغطي معظم المباحث الدراسية)، وما يعرف “بالكتب العالية -المنخفضة”، وهي تلك التي تثير اهتمام فئة عمرية معينة، ولكن باستخدام لغة وأسلوب وتراكيب ذات مستوى قرائي أقل من المستوى المتوقع للفئة العمرية المستهدفة. ولكن يبقى عماد هذه المصادر وركيزتها الأساس هو بالتأكيد السلاسل القصصية.
تُعد السلاسل القصصية الحلقة الذهبية للتجسير بين القراءة المترددة والمطالعة الحرة. فهي عبرشخصياتها المشتركة، وبيئة الأحداث المتشابهة زمانا ومكانا، تغدو مألوفة لدى القارىء فيستأنس بها ويزيد استمتاعه واهتمامه لمعرفة المزيد عنها. كما أن بنية القصة الموحدة ضمن السلسلة الواحدة، وتكرار المفردات والأنماط اللغوية والتراكيب، تشجع القارىء لاكتشاف العناوين الأخرى في سلسلة ما. بالإضافة إلى أن القارىء إذا أعجبه عنوان ما في هذه السلسلة، فإن ذلك سيزيد حتما من فرصة سعيه لقراءة عنوان آخر منها ثم آخر. وإذا حصل هذا بالفعل، نكون قد تجاوزنا مرحلة تعلم مهارات القراءة بهدف التشفير والترميز، ويكون القارىء قد خطا الخطوة الصحيحة باتجاه القراءة المستدامة بطواعية وشغف، وهذا هو الهدف الأبعد المطلوب. ولنا في سلسلة “بيت الشجرة السحري” الموجهة لمبتدئي القراءة، وسلسلة “هاري بوتر” الموجهة للناشئة عِبَرٌ كثيرة!.