فلورا مجدلاوي
لعل أكثر ما يُطلب مني في الآونة الأخيرة عندما أزور المدارس لقراءة أعمالي أو مناقشتها هو أن أقدم قصصًا تتناول بشكل رئيس قضية “تقبل الآخر”، لا سيما في هذه الظروف والأوقات العصيبة الصعبة الت تعيشها منطقتنا
في إحدى زياراتي لإحدى المدارس في عمّان، شكت لي إحدى المديرات القديرات عن مدى المعاناة التي يكابدها التربويون في محاولة معالجة العديد من الأفكار السلبية الملوثة بشتى أنواع العنصرية والطائفية والتمييز ضد الآخر، والتي يحملها الكثير من الطلاب بوعي ومن دون وعي. وقد اعترفت المديرة بأنه رغم الوقت والجهد المبذولين إلا أن القضية تبدو أكبر من أن تستطيع منظومة المدرسة وحدها معالجتها.
من حولي، أعرف كثيرا من الآباء والأمهات الذين يعملون ويكافحون بكل جد وجدية من أجل محاربة مشاعر التمييز الأجوف والعنصرية المدمرة التي بدأت تتغلغل إلى عقول أطفالهم ونفوسهم. ولكن ما يلبث هؤلاء أن يعترفوا بأن هناك تيارات خارجية أقوى منهم، وأنهم وحدهم غير قادرين على التصدي لها
يمتلك أدب الأطفال الجيد المتنوع قوةً عظيمة تستطيع أن تقوم بدور محوري وحيوي وتنويري، تساهم في معالجة العديد من القضايا التي تؤرق المجتمعات وتحول دون تقدمها، منها قضية تقبل الآخر. شركة “سايمون أند شستر” الأميركية العملاقة، وهي إحدى أضخم دور النشر المنتجة للكتب باللغة الانجلزية، أعلنت قبل أيام عن إطلاق خط جديد يحمل بصمة نشر جديدة تابعة لها، بعنوان “سلام يقرأ”. وتهدف هذه المبادرة إلى نشر أدب أطفال، أبطاله شخصيات مسلمة تعكس قصصهم. وتستهدف عناوين “سلام يقرأ” مختلف الفئات العمرية في أدب الأطفال، إذ تتوجه إلى القراء الصغار عبر الكتب المصورة، وللناشئة عبر كتب الفصول، ولمن هم أكبر عبر الأعمال الروائية. لكن مهلا، ليست هنا المفاجأة، فـ “سلام يقرأ” لا تستهدف الأطفال المسلمين فقط، وإنما تسعى أيضا إلى تقديم رافد جديد ينهل منه جميع أطفال أميريكا الآخرين، فيثري ثقافتهم ويغني تجاربهم، بتقديم نصوص مشوقة ومسلية للجميع، في محاولة منها لتمثيل فئة من فئات المجتمع الأمريكي التي لم تحظ من قبل بنصيبها المستحق من أدب الأطفال الأميريكي!
في الدول التي وصلت إلى قدر كاف من الوعي بأهمية أدب الطفل ودوره في التنشئة الثقافية والاجتماعية، فتحت المؤسسات التعليمية الأبواب والنوافذ لأدب الأطفال المتنوع، ليتربع محل كتب المناهج التقليدية. وقد وضعت هذه البلدان خططا واستراتيجيات، ورصدت لها ميزانيات خاصة. بينما أبقت المؤسسات التعليمية التي لم تصل إلى مستوى هذا الوعي على جميع الفتحات وحتى الثقوب المتاحة موصدة، وأصرت على تقديم ثقافة أحادية، ربما يكون أقل ذنوبها هو التمييز ضد الفتاة والمرأة وتنميطهما، فبقي دور أدب الأطفال غائبا ومغيّبا، ربما لعدم إدراك قواه الكامنة والوعي بأهميته، أو لأسباب أخرى قد تكون مقصودة
وفي النهاية، فإنه مثلما تقف جهات عديدة في المجتمع عاجزة وحدها عن معالجة قضية “تقبل الآخر” وغيرها، فإن قطاع أدب الأطفال لا يستطيع أن يلعب دوره الهام والحيوي في عملية التغيّر والتحول عندما تغلق المؤسسة الرسمية الأبواب في وجهه، فلا تسمح له بأن يزدهر ويتنوع حتى يؤدي دوره التنويري العظيم. وهكذا سيبقى دوره منقوصا في مجتمعاتنا العربية، فيدور في أحسن الأحوال في فلك هذه المؤسسات، يراعي متطلباتها لضمان بيعه وانتشاره، ويلتزم بكثير من الأطر والحدود التي لا تقبل الآخر